الحجارة تَرى والرملُ يسمع

[مختفي]

.

الحجارة تَرى والرملُ يسمع

*جريدة الخليج





يوسف أبو لوز:

من وحي الشتاء الكريم..

- تأخذك الطريق في الصباح الباكر إلى الجبال، وقد امتلأ قلبك ونهارك بوادي الحلو، متأمّلاً كينونة الحجر، والحجارة ترى، والرمل يسمع..

***

- أسمعُ ما يسمعه الرملُ في امتداد الصحراء، وقد تنفّست في الفجر، «والصبح إذا تنفّس». الرمل في هذا المدى الطاهر الغزير بعد الشتاء ينفتح على نبات صغير وزهور برّية تتفتّح، وأشجار تتباهى بماء السماء. وأنت تسمع ما يسمعه الرمل. أنت تسمع ما يقوله الرمل بعد شتاء كريم، ورحمة كريمة.

***

- أرى أيضاً ما ترى الحجارة. أرى ما يَرى الجبل وقد اغتسل كله بالماء السماوي الأمومّي، وكل قطرة ماء ليست دمعة، بل هي هدية الله إلى الحجر الذي يغتسل سبع مرّات، وسبع مرّات يتجمّل، وسبع مرّات يتحوّل من جبل إلى قصائِد.

***

- له شَغَفٌ بمراقبة النبات الذي ينمو أسفل الجدران، والحجارة. كأن النبات الضعيف الهشّ يلوذ بصلابة الحجر لكي يحتمي به. كأن النبات يدرّب الحجر على اللين والرفق. كأنهما، النبات والحجر، أخوانِ أو شقيقانِ من بطنين ومن سرّتين: سرة الماء، وسرّة الرمل.

- المطر رحمة، والرمل رحمة، والحجر رحمة، والشجرة رحمة، ودائماً (بسم الله الرحمن الرحيم) في هذا المدى الذي يُفْضي إلى الرمل، ومن بعد إلى الجبال، وكأنك رويداً رويداً ترتفع إلى فوق، كأنك سحابة، ومن السحابة تهبط الرحمة..

***

- يفرحُ الطيرُ بالماء. هذا شتاء الرمل والحجر والإنسان والشجر والطير. ها هي النباتات والزهور والأعشاب تنبثق من المكان الذي يتلوّن بالشفق والغسق عند الشروق وعند الغروب.

***

- عشب صغير يولد من القطرة ومن حبة الرمل. زواجٌ علنيٌّ شتائي. تلك هي بلاغة الصحراء. تلك هي اللغة التي لا تحتاج إلى ترجمان، قل إنها موسيقى خضراء مطروحة على وجه الأرض.

- من أية سلالةٍ هذه العائلة؟ عائلة الطير والبذرة والزهرة والعشبة وحبّة الرمل؟ مَنْ ساق لنا كل هذا الفرح، وكل هذه المسرّة، فكانت الكلمة الواحدة قصيدة، وكانت الجملة الواحدة كتابة؟.