الجدران النائمة
ـ أحبّكِ
لم تستطع الصراخ، نَسِيَتها الكلمات، وراحت تتعلم النطق من جديد .
عندما افترقا، أشعلت الذكرى نهارات لا تنطفئ أذابت الصقيع، واخترقت جدار القلب الهرم، تفتّحت الوردة التي زَرَعَتْها في كتاب، اصفرّت السطور السوداء، ماتت، دفنت الكتاب في جيبها، وأحسّت نفسها مولودة في أرجوحة دائمة الاهتزاز تسبب لها الكثير من الإحراج .
صارحها بحبّه مرّة أخرى، فسحبت نَفَسَاً عميقا وبصعوبة أجابته :
ـ لستُ أدري ماذا أقول ؟ الخوف يكتسي لحماً، ويرتدي فرحاً، ويسير بحبّ على ذلك الجسر العالي .
ـ أريد جواباً .
لأوّل مرّة، تمنّتْ أن تملك عشرات التجارب لتجيبه من خلالها، كَفَرَت بكلّ شرائع الطفولة، لعنتْ الخوف الذي جعلها نجمة تسهر طوال الليل تحلم بنور اليوم الجديد، وحين تلمحه تهرب في الأفق .
آه يا سن الأربعين، كم أنتَ بعيد عن أعوامي الأحد والعشرين .
لَعَنَتْ الحياة مراراً وتكراراً : هي تملك آلاف المجاهر، وتمنحنا وجهاً بعينين يتيمتين لا نرى بهما سوى الحيرة .
ـ أحبّكِ .
لو أنّ الحياة ليست هي التي أعرف ويعرف كنتُ عاهدته على الحبّ من اللحظة الأولى، ولكننا على هذه الأرض التي تدور ويدور معها الكذب
والظلم .

الحيرة، فلتكن ! ولكنّها لن تفضح نفسها، وتسأل أحداً من تلك الساعات المتحركة على جدران نائمة ـ بحق الهواء الذي تستنشقه معهم ـ أن يساعدوها، لأنّها تعرف رأيهم وردود فعلهم سلفا .
قررت أن تنتظر، وتأخذ وقتها في التفكير، لكنّها خافت أن تُفَكِّر على طريقة عالم الساعات .
عادت للحديث مع نفسها : هو لم يهزأ من الحلم القديم ؛ ولكن أتراه هرب من عالمهم فترة يعود ليعتذر بعدها عن دقائقه الهاربة ؟
قال وكأنه قرأ أفكارها :
صدّقيني، أنا لا أعرف الكذب .
تساقطت الجدران المهترئة على وقع كلماته الصادقة، أمسكت بيدها ريشة طَلَتْ السقف والأرض بلون شفاف، سَرَقتْ الحبال قبل أن تبتلعها الجدران المتساقطة، صرخت بأعلى صوتها : الحبال المسكينة تصلح للأراجيح بدل المشانق، عملت أرجوحة، علّقتها في السقف، ضربت بأرجلها الأرض، وقبل أن تطير كانت آلاف الجدران النائمة قد استيقظت .
بقلم : ديمة بعاج
سوريا - حلب