|
.
أسلوب الكتابة
*جريدة الخليج
حسن مدن:
نقول عن أسلوب كاتب ما إنه أسلوب صعب أو معقد، أو نقول العكس؛ إنه سلس وسهل، والوصفان الأولان، أي الصعوبة والتعقيد، لا يعنيان، بالضرورة، أن الكاتب عميق، ويتناول قضايا معقدة لا يفقهها الكثيرون أو حتى الغالبية، فكون موضوعاته عميقة ومعقدة هو ما يجعل التعبير عنها معقد، كما أن صفة السهولة أو البساطة في الكتابة لا تعني أن صاحبهما سطحي أو ضحل المعرفة. الحقيقة أنه لا توجد موضوعات صعبة وموضوعات سهلة، ما من معيار واضح، متفق عليه، لتحديد ما هو السهل وما هو الصعب، ما هو المهم وما هو غير المهم، فكلّ الموضوعات مهمة.
وحتى لو سلمنا بأن هناك موضوعات أسهل من سواها في التناول، فإن أسلوب الكاتب المعقد أو الصعب يضفي عليها صعوبة ليست فيها في الأصل، فبدل أن يسهل الموضوع ويقربه إلى النفوس والعقول، فإنه ينفر منه، ويجعله، رغم بساطته المفترضة، صعباً أو حتى عصياً على الفهم، فيما يحدث العكس تماماً، فما تبدو، ظاهراً، موضوعات صعبة ومعقدة، فإن سلاسة أسلوب الكاتب ورشاقته تسهل فهمها وشرحها، وليس عبثاً أن أسلافنا تحدثوا عن «السهل الممتنع»، وهو ما يقال عن الأسلوب الذي يجمع بين عمق المحتوى وسهولة إيصاله إلى المتلقي، وتلك ملكة لا تتوفر دائماً لدى الكثير من الكتاب، ويشار، في هذا الصدد إلى أسلوب الدكتور طه حسين في الكتابة، فعلى الرغم من عمق موضوعاته فإنه ينجح في التعبير عنها بيسر.
على كلٍ؛ فإن أسلوب الكتابة منهج يمكن أن يدرس في الجامعات وفي ورش الكتابة، وليس بوسعنا هنا الخوض في تفاصيله، ونجد في الكتاب الشائق لإرنستو ساباتو «الكاتب وأشباحه» تناولاً مكثفاً وجميلاً للموضوع، كما هو شأن كل محتويات الكتاب، وفيه يقدّم أجمل تعريف يمكن أن نقرأه عن أسلوب الكاتب، وفيه يقول: «الأسلوب هو الإنسان الفرد، الوحيد، طريقته في رؤية الكون والإحساس به وطريقته في التفكير في الواقع». إنه الخلطة بين أفكاره من جانب وانفعالاته ومشاعره من جانب آخر.
يفرق ساباتو بين لغة العلم ولغة الفن، «فلغة العلم الخالصة يمكن وبدقة أن نستبدل بها رموز خالصة ومجردة وغير شخصية». العلم جامع والفن فردي، له طريقته الخاصة غير القابلة للتحويل، ولهذا «يوجد أسلوب في الفن ولا يوجد أسلوب في العلم».
التعديل الأخير تم بواسطة مختفي ; 5 - 12 - 2022 الساعة 11:37 PM
..
..